الجمعة، 6 فبراير 2009

القسوة لدى صدام حسين ....... الجزء الأخير عن "تدمير حزب البعث"

"المرضى, انا اعرفهم من أعينهم. لو يصطفّون امامي خمسة آلاف واحد. فأنا استطيع ان اكشف ما في قلبه من خلال عينه. الا حين يغطي عينيه بنظارة سوداء. عندها اطلب اليه ان يزيح النظارة عن عينيه" …….. صدام حسين بتاريخ ٥/١/١٩٨٢

بالاضافة الى النتائج التي تمخض عنها الأجتماع الأستثنائي, فهو أيضا يثير تساؤلات عدة, تساؤلات لم يجرؤ أحدا ممن كان في القاعة على اثارتها، حيث أن الكل في قاعة الخلد في ذلك اليوم كانوا في مقعد الأتهام وعدم معرفتهم بما سيحصل امامهم كان واضحا في ردات فعلهم والتي كانت مزيجا من الدهشة والذهول والخوف وهستيريا من الضحك والبكاء وصراخا من الشعارات أمام قاضيا وحيدا في وسط المنصة.
أحدى تلك التسأولات هي ما حقيقة ماحصل؟
هناك عدة روايات تسرد ماحصل ، أولها "اعترافات" محي عبد الحسين و والثانية وردت في المقدمة التي كتبها طه ياسين رمضان في كتاب محطات في ذاكرة صدام حسين والثالثة ماكتبه فواد مطر في كتاب
Saddam Hussain: the Man, the Cause and the Future
والتي استند فيه على حديث مع سعدون شاكر وزير الداخلية انذاك.
يروي القصة طه ياسين رمضان فيقول "كانت القيادة مجتمعة في يوم ١٢/٧/١٩٧٩ ، لمناقشة موضوع تخلي المرحوم أحمد حسن البكر عن مسؤوليته في الحزب والدولة لاسباب مرضية للرفيق صدام حسين واذا ببعض جوانب المؤامرة التي تحاك ضد الحزب والثورة تظهر من جانب المتآمر محي عبد الحسين مشهدي الذي حاول أن يقود عملية تسليم الراية والمسؤولية الى اتجاهات تآمرية تخدمه وتخدم الزمرة التي تآمرت معه، واذا بالرئيس القائد صدام حسين يقول باعلى صوته بعد أن اكتشف جانبا من حديثه التآمري "قم أننا نعرف مع من نتعامل" وكانت نبرته حادة... فوقع كلامه على المتآمر محي مشهدي موقع القنبلة المدوية..واذا به يسقط على كرسيه متخاذلا ويعترف بكل شيء أمام سمع القيادة وبصرها وهو يردد "أذن لقد انتهى كل شيء" وقد كانت هذه الحادثة المشهودة بداية السقوط للمؤامرة وانهيار المتآمرين، حيث تم كشف جميع خيوطها وامتداداتها فقبرت ونال الخونة العقاب الذي يستحقونه.. "
أما صاحب الأعتراف فيقول " وإذا العكس صار يعني وجود الرفيق أبو عدي على ..ال ..على رأس المسؤولية الأولى من شأنه يعني يفشل كامل المخطط وإذا أستمر الرفيق أبو هيثم بالوضع اللي المعروف وهو ما راغب يعني.. وتعبان يسهل عملية يعني.. يسهل عملية الاتصالات والتواصل ... يعني عملية مفيدة )
ثم يضيف :(وبتوجيه خارجي بالضبط .. يعني مثل ..انو هذا رأي الأسد ...... فلذلك صار بالاجتماع من طرح)
صمت محيي لحظات وهو ينظر إلى سقف القاعة حائرا ... ماذا يقول
ثم قال :(من... طرحت .. أني انو..ال.. على. أبو.. الرفيق أبو هيثم .. انو يعيد النظر يعني بموقفه)
يصمت محي لثوان ويبدو كأنه يقرأ من ورقة ما
( وأيضا طرح محمد عايش بصيغة.. تقريبا بس أقل شوية..أيضا ما معناه خلي يراجع موقفه ..ويعيد النظر كان هذا هو الهدف منه لخاطر يأجل موضوع الرفيق أبو عدي... ومحد حچه طبيعي ..حچه أيضا عدنان حسين .. المجرم عدنان حسين وكان حديثه طبيعي.. مغلف يعني تغليف .. ما اعرف شنو يعني ما اع .. نعم)
وصمت محيي حوالي ١٥ ثانية وبدا محي كأنه يقرا من ورقة مرة أخرى
ثم قال :( هذا اللي صار بهذا الاجتماع اللي سبق .. اللي سبق ال الاجتماع الأخير)
{مقطع من فيديو الأجتماع الأستثنائي. لاحظ كيف يتلعثم محي ويغير قوله "من طرح" الى من " أنا طرحت" ثم بدأ محي كأنه يقرا ما سيقول من ورقة أمامه رغم أن الأوراق قد أخذت منه في البداية. ربما هذا يفسر ترك الرئيس مقعده لمحي ربما توجد أوراق أخرى تركها الرئيس لمحي تساعده في تذكر ما قال في ذلك الأجتماع}
وفي مقطع أخر من "الأعترافات" يقدم محي صورة أخرى لما جرى" في الحقيقة إن المجرم محمد عايش كان جالسا إلى جانبي وكتبت له ورقة كتبت ورقة في الدفتر واعتقد إن اقرب واحد منا شاهد ما حدث هو الرفيق حسن علي العامري
فرد صدام حسين فورا :
إنا أيضا كنت منتبه عليكم ... عيني عليكم.
فرد عليه محيي :
نعم .... كنت منتبه
واسترسل محيي في الكلام وقال :
فقلت له في الورقة .. يبدو إنني إنا المقصود بشكل خاص والظاهر نحن.
فأكمل صدام حديث محيي نحن اكتشفنا .
فقال محيي : نعم.
كتله إذن إني هسه والورقة بخط أيدي .. إني هسه راح أقدم استقالة .. أقدم استقالة من الـــ من من ... من المجلس وهاي الشغلة منكم تره تورطت فقال متقدم استقالة ولا تتورط .. لا تستعجل .. على كيفك هسه .. يعني لتستعجل. "
{مقطع من فيديو الأجتماع الأستثنائي. لاحظ كيف يساعد الرئيس محي في جعل روايته أكثر حبكا فمبالغ رشوة من كان بأعلى المناصب كانت تافهة فحاول محي تفسير ذلك ولم يفلح فاضطر في نهاية المقطع الى القول أن المبالغ ازدادت}
{مقطع من الأجتماع الأستثنائي. لاحظ كيف يدعي الرئيس بأن ( من أكثر الرفاق اللي مكتشف هاي الزمرة هو الرفيق طاهر) ويكمل متحدثاً عن الرفيق الذي اكتشف الموامرة حسب ادعاه (كان حتى مرات يثقل عليهم زايد .. احنا نلومه .. يخابرهم بالتلفون يگللهم ترى تكتلكم مكشوف وتأمركم مكشوف ونطلب منه بأنو يتريث في التقييم)
و يتحدث عن رسالة من أحد الرفاق حسب وصفه تتعلق بالموامرة الخطيرة فيقول (ربما الرسالة قبل ثمن تشهر احنا كنا ما چنا مكتشفيهم )
ثم ينهض الرفيق المعني طاهر العاني وينفي أن تكون الرسالة حاملة معلومات خطيرة فيقول (الرسالة... رفيق أبو عدي تتعلق بغبن أصاب الرفيق ليس إلا ليس فيها معلومات خطيرة ولا شي أخر تتعلق ليش انقل من ايران إلى بغداد ........ ومن ... وهاي هي)
لاحظ نظرات صدام الموجهة لطاهر توفيق..... كانت غاضبة لان معنى كلامه إن لا علاقة لما حدث في قاعة الخلد ذلك اليوم لكن القاعة ضجت في التصفيق ...فأدرك صدام .... أن الحضور لم ينتبهوا لما حدث ولهذا تغيرت ملامح صدام بسرعة}
أما فواد مطر فيقول "في ١١/٧ /١٩٧٩ انعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة ، فيه أعلن الرئيس البكر رغبته بالتنحي عن مسؤوليته في الدولة والحزب. فجاة نهض محي عبد الحسين، سكرتير مجلس قيادة الثورة ، واصر على أن يتم التصويت على مسالة تنحي الرئيس البكر عن مسؤوليته في الدولة والحزب لصدام حسين.
واصر على أن يكون القرار بالاجماع. الرئيس البكر الذي كان حاضرا الأجتماع رد عليه قائلا " ما الذي تطلبه؟ لقد وضحت أسباب لماذا اريد الأستقالة، لماذا تتحدث بالنيابة عني؟" لكن محي عبد الحسين استمر فقال " من غير المعقول أن تتقاعد ، اذا كنت مريضا فلماذا لاتاخذ فترة من الراحة" هذه الكلمات ازعجت الرئيس البكر وعدد من المجتمعين. "
"انتهى الأجتماع بقبول استقالة الرئيس البكر. في ١٢/٧/١٩٧٩ عقد اجتماعا مشتركة للقيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة ترأسه صدام حسين فيه تم انتخابه بالاجماع رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية ".

أين الحقيقة؟ فمحي بعد تردد يقول في اعترافاته أنه طرح أن يعدل البكر عن قراره ويبدو بتأييد "المتآمرين" ، في حين مطر يقول أن محي وقف واصر على أن يتم تصويت على مسالة الأستقالة وأن يكون القرار بالاجماع وهذا لم يذكره محي ولم يذكر مطر أيضا موقف بقية "المتآمرين" التي ذكرها محي ، في حين طه ياسين رمضان يكتب بغموض أن صدام حسين اكتشف جانبا من حديث محي التآمري واذا به ينهار ويعترف أمام القيادة بكل شيء ، رمضان هنا لم يذكر أن محي اعترض على استقالة البكر كما ذكر مطر بل يتحدث عن "حديث تآمري" لمحي في نفس الأجتماع وليس اعتراضا أو طرحا لتراجع البكر عن استقالته ثم يقول رمضان أن محي اعترف بكل شيء أمام القيادة وهذا لم يذكره مطر ومحي، فاذا كان هذا صحيحا فمعناه أنه اعترف أمام بقية المتآمرين الذين كانوا موجودين في ذلك الأجتماع ويبدو هذا مناقضا لكتاب مطر كما أنه غير منطقيا فالمتآمرين الذين اعترف عليهم محي في ذلك الأجتماع تم ترقيتهم بعده كتعيين عدنان الحمداني نائبا لرئيس الوزراء في ١٧/٧/١٩٧٩ فلماذا يتم ترقيتهم وهم متآمرون ولم يلقي القبض عليهم ألا بعد أيام من الأجتماع الثاني الذي صوتوا فيه المتآمرون أنفسهم لصالح صدام حسين حسب اعترافات محي وحسب حديث الرئيس نفسه في اجتماع القيادة القطرية في ١٨/٨/١٩٧٩ عن ' المؤامرة الخيانية تحليل أولي والدروس المستخلصة' حيث يقول “وانتم تعرفون أن أولئك الخونة لم يعترضوا على اختيار صدام حسين قبل واثناء الأنتخاب، وقد صوتوا على الأنتخاب لتحقيق الأجماع على أمين السر ونائب أمين السر في الوقت الذي كانوا يعدون فيه مؤآمرتهم الغادرة.. وهكذا تبين جانب مهم من ارتباطاتهم الأجنبية والخارجية، حتى قبل أن نطلع على التحقيق”
هل توجد مؤامرة أصلا أم وجدت شكوك ونقاط سوداء قرأها الرئيس فكان على المحققين ابتكار المؤامرة ؟
فكيف يمكن تفسير قوله" كنا نقرأ في قلوبنا صفحات التآمر قبل ان نمتلك المعلومات عن التآمر" في الأجتماع الأستثنائي في ٢٢/٧/١٩٧٩ وفي حديثه في القيادة القطرية في ١٨/٨/١٩٧٩ " وهكذا تبين جانب مهم من ارتباطاتهم الأجنبية والخارجية، حتى قبل أن نطلع على التحقيق".
هناك رواية أخرى سمعتها من حزبيا أن ماحدث في ذلك الأجتماع أنه مررت قصاصة بين الحاضرين كتب فيها لماذا لا تجرى انتخابات (بعد اعلان البكر رغبته بالتنحي) وعندما وصلت تلك القصاصة لحسن العامري نهض قائلا "سيدي مؤامرة!!! " وبعد ذلك تم القبض على كاتبها ومن شك فيه أنه مؤيد لما ورد فيها..
لا احد يدري حقيقة ماحصل لاعدام اللاعب الرئيس في تلك "المؤامرة" أو الى أن يتم العثور على وثائق جديدة، شخصيا أميل الى الأعتقاد الى أن هوس الرئيس الارتيابي بالمحيطين به ورغبته في انهاء صيغة القيادة الجماعية واستبدالها بصيغة القيادة الفردية وعدم ثقته بعلو رباط العقيدة الحزبية على رباط القربى
وربما رغبته في التخلص من فكرة الوحدة مع سوريا كانت جميعا اسبابا للحاجة لمؤامرة..
هناك تشابه غريب في الطريقة التي أعلن فيها عن اكتشاف المؤامرة وطريقة ستالين في محاكماته لرفاق حزبه في الثلاثينات ، هل كان في ذهن الرئيس محاكاته عندما دعا الى ذلك الاجتماع الأستثنائي؟

التسأول الأخر المهم لمن يسعى لتقديم تحليل نفسي لشخصية الرئيس هو المقطع التالي من شريط الموتمر الأستثنائي "من خمسة اشهر ـ على ما اعتقد ـ في اجتماع بالمجلس الوطني، كان موضوع الحديث العلاقات مع سوريا، كان الى جانبي الرفيق عزة ابراهيم، قلت له: اشوف نقطة سوداء في عقل وفي قلب محمد عايش. وهذه النقطة قطعاً لا يمكن ان اخطأ في انها موجودة. لكن فقط اريد منك معاونتي بملاحظاتك، في اي اتجاه يريد محمد عايش يفعل بها؟ وراح (اي عزة ابراهيم الدوري) والتقى به (بمحمد عايش) وقال له: لماذا انت غير مرتاح؟ هل يوجد شيء لا يريحك؟ حكى له عايش حكايات عن احد الرفاق. وادعى انه غير مرتاح من كلام احد الرفاق في الجلسة. كنت افتش عن اي رفيق يحاول يهز قناعتي فيما اشوفه. جاءني الرفيق عزة ابراهيم، قال لي: لا اعتقد بوجود شيء الا بهذه الحدود.
مرة ثانية ارسلت على الرفيق عزة فقلت له: النقطة السوداء بدأت تكبر امامي ولا يمكن ان اخطأ فيها. والنقطة السوداء ليست عدم ارتياح شخصي وانما هي نقطة متآمر. وشرحت له (لعزة الدوري) خطة التآمر. قلت له: متآمرون. والخطة الاساسية هي تحطيم حزب البعث العربي الاشتراكي كتقاليد وكفكرة. الى آخره. الى اي حد اقتنع الرفيق عزة؟ هو طبعاً مقتنع بسوئهم. ولكن عندما صار اللقاء الثالث والرابع والخامس، اقتنع معي ان العملية ليست عملية تكتل محض.
والمرة الاخرى مع الرفيق طارق عزيز ـ وكنت آخذ قناعتهم لصالحهم وليس ضدهم ـ افتش عن واحد يهز قناعتي.
اخذت الرفيق طارق عزيز وتكملت معه، وايضاً جاءني بعد فترة وقال: لا اظن الهواجس كما تتصور. ثم اخذت رفيقاً ثالثاً، الى ان صارت القناعة مطلقة في نفسي وفي عقلي، ان هؤلاء متآمرون. وبالضبط مثلما كشف التحقيق.
طبعاً بدأ الرفاق يشاركونني نفس القناعة. بدأنا طبعاً نتابع نشاطهم. حاولت ان انبههم في القيادة اكثر من مرة من طرف، اتحدث به عن اللقاءات بين اعضاء القيادة خارج الاجتماعات وبحث شؤون داخلية تخص القيادة. ونبّهت حول خطورة هذا المسلك بدون ان اؤشر الى اي عضو من اعضاء القيادة.
كانوا (يقصد المتآمرين) زاروا ـ مرة او مرتين ـ مع برزان، الرفيق نوري الحديثي مسؤول الفرع العسكري للشمال. كنت خايف على نوري من ناحية.
كنت خايف ان يتكلموا امامه ضد اعضاء القيادة وهو يسمع. فأرسلت عليه ـ ربما قبل شهر ـ قلت له: يا نوري! اذا شفت اثنين من اعضاء القيادة يتكلمان حول شؤون داخلية بالقيادة. احمل كرسيك واجلس بعيداً.
لو كان اي واحد من هؤلاء الكواد. في بداية الجلسات قبل ان تجرّ رجله نهائياً ويرتبط بهم، عندما يتكلمون امامه حول الحياة الداخلية للقيادة، لو كان رفع تقرير للقيادة، لو كان فعل ذلك لما اوصلوهم الى الدرك الاسفل".
قدرة الرئيس "الخارقة" على قراءة نوايا المقابل تتم من خلال النظر في عيونهم وهو ذكرها مرة أخرى في عام ١٩٨٢ فقال "المرضى, انا اعرفهم من أعينهم. لو يصطفّون امامي خمسة آلاف واحد. فأنا استطيع ان اكشف ما في قلبه من خلال عينه. الا حين يغطي عينيه بنظارة سوداء. عندها اطلب اليه ان يزيح النظارة عن عينيه."
عمل على ترويج قدرته الخارقة تلك مجموعة من المحيطين به وربما بتشجيعه شخصيا بين الكادر المتقدم من الحزب أو المسؤولين فيقال لهم محذرين " ترى الريس يقرا أفكاركم من عيونكم".
ذكر طه ياسين رمضان النقاط السوداء التي قرأها الرئيس في دواخل "المتآمرين" مرتين في مقدمة كتاب محطات في ذاكرة صدام حسين والذي نشر في عام ١٩٩٠ فيقول"وفي مؤامرة عام ١٩٧٩ التي ضمت عددا من أعضاء القيادة ممن لم يكن لهم أي حق على قيادة الحزب والثورة والذين منحوا فرصا قيادية كانت في الواقع أعلى بكثير مما يستحقونه سواء في تاريخهم النضالي في الحزب أو من حيث كفاءاتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم الشخصية...اذ تكشفت وتحركت نيات السوء والشر في نفوسهم مستهدفين النيل من المناضل والقائد صدام حسين وابعاده عن قيادة الحزب والثورة، لان المتآمرين كانوا يعلمون جيدا ومن ورائهم كل الجهات المعادية للحزب والثورة أن وجود صدام حسين على رأس المسيرة يحرمهم من اية فرصة مهما كانت ضئيلة، لتحقيق نياتهم الخبيثة ومراميهم الخيانية التآمرية..
وهكذا فجروا موأمرتهم في نفس الوقت الذي كان فيه المناضل والقائد صدام حسين قد أشر بدقة النقاط السوداء التي كان يتابع تطورها في داخلهم والتي جرتهم في النهاية نحو الأنحراف… ".
وفي موضع أخر من المقدمة يقول "وفي الوقت الذي كان فيه المتآمرون يسعون وفق مخطط خبيث لبث روح الفرقة واثارة الشكوك ويمارسون التضليل والخداع واساليب المناورات والحرق والدسائس داخل القيادة وبين صفوف الكادر المتقدم مستهدفين تهيئة الأجواء لاخفاء تحركهم واساليبهما اللئيمة المبيتة ولامرار تآمرهم الخياني... في هذا الوقت بالذات كان المناضل صدام حسين يرصد بدقة كل هذه الأجواء المريبة ويشخص العناصر المتآمرة ويؤشر النقاط السوداء التي كانت تكبر في داخلهم"..
بعد هذا لابد من التسأول هو ما معنى أن يقول الرئيس "اشوف نقطة سوداء في عقل وفي قلب محمد عايش" ؟
ومعنى النقطة السوداء لديه ليست عدم ارتياح من شخص بل أنهم "متآمرون. والخطة الاساسية هي تحطيم حزب البعث العربي الاشتراكي كتقاليد وكفكرة" ورغم أن رفاقه الأخرين عزة الدوري وطارق عزيز لم يعتقدوا بذلك فهو أصر على أن "القناعة مطلقة في نفسي وفي عقلي، ان هؤلاء متآمرون". وحتى قبل أن يكون هناك تحقيقا فهو قرأ "في قلوبنا صفحات التآمر قبل ان نمتلك المعلومات عن التآمر"
وفق ما تقدم هل يمكن وصف شخصية الرئيس باضطراب الشخصية الأرتيابية؟
“Paranoid Personality”
حسب “Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disease IV”
وهو الكتاب الذي يعتمد عليه لتشخيص الأمراض النفسية يعرف الشخصية الأرتيابية بكونها تتميز بفقدان الثقة والشك بالاخرين كما تشعر بأن الآخرين يحاولون خداعها وإيذائها ويتبين ذلك بملاحظة أربعة مما يلي:
١- يشك بان الأخرين، بدون أسباب مقنعة ، يستغلونه أو يخادعوه أو يسعون الى أذيته.
٢- مشغولا ،بشكوك غير مبررة ، بولاء أو باخلاص اصدقائه أو المحيطين به. ٣- مترددا بالثقة في الأخرين لخوفه غير المبرر بأن الأخر سيستخدم تلك الثقة لالحاق الاذى به.
٤- يفسر الملاحظات أو التعليقات على أنها تهديد أو اهانة مقصودة.
٥- حامل للضغينة بصورة مستمرة، فلا يعفو عن الأهانة أو الاساءة.
٦- يعتقد أن الأخرين يهاجمون شخصيته أو سمعته في حين أن الأخرين لا يترأى لهم ذلك، ويسارع بالرد بغضب أو بالهجوم على الأخرين.
أعتقد أن شخصية الرئيس شخصية مركبة من اضطراب الشخصية الأرتيابية واضطراب نفسي أخر سنتطرق له فيما بعد...
استنادي في أن بعضا من شخصيته يمكن وصفه بكونه شخصية أرتيابية هو حديثيه المذكورين أعلاه وسلوكه في فترة حكمه تجاه خصوما متخيلين وسنخوض في ذلك مفصلا فيما بعد.
بعد انعقاد الأجتماع الأستثنائي تم تشكيل لجنة تحقيق خاصة مؤلفة من " عبد الفتاح محمد أمين رئيسا وكلا من جعفر قاسم حمودي وبرهان ألدين عبد الرحمن اعضاء فيها" للتحقيق مع المتهمين بجريمة المؤامرة الخيانية ضد الحزب والدولة" حسب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم ٩٦٦ في ٢٨/٧/١٩٧٩ .
وتم أيضا تشكيل محكمة خاصة حسب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم ٩٦٧ في ٢٨/٧/١٩٧٩ تألفت من سبعة أشخاص من أعضاء مجلس قيادة الثورة مؤلفة من نعيم حداد رئيسا ومن الاعضاء " سعدون شاكر، سعدون غيدان، تايه عبد الكريم، حسن علي، حكمت ابراهيم، وعبدالله فاضل" حاكمت الأشخاص المتهمين " بالمؤامرة الخيانية ضد الحزب والدولة" فحكمت باعدام ٢٢ شخصا.
بعد ذلك تم تنفيذ مشهد أشد وقعا في قسوته عندما أمر الرئيس بان يقوم رفاق وربما كانوا أصحاب في فترة ما باعدام رفاق لهم. حيث أمر الرئيس بان يقوم بالتنفيذ رفاقا يمثلون كل محافظة من محافظات العراق. كانوا الرفاق المدانين مكمي الأفواه ، لم يسمح لهم حتى بترديد الشهادة، حضر الأعدام أيضا الحزبيات من الكادر المتقدم حيث طلب منهم مشاهدة الأعدام ولم يشاركوا فيه. كذلك حضره ولدا الرئيس قصي وعدي وكانا يافعين..
نفذ حكم الأعدام بكل من محمد عايش حمد، محي عبد الحسين مشهدي، عدنان حسين الحمداني ، محمد محجوب مهدي الدوري، غانم عبد الجليل سعودي، خالد عبد عثمان الكبيسي، طاهر أحمد أمين، وليد محمود سيرت، غازي ابراهيم أيوب، نوري حمودي أحمد، عبدالخالق ابراهيم السامرائي، ماجد عبد الستار فاضل، وليد صالح محمد الجنابي، وليد ابراهيم اسماعيل الأعظمي، ابراهيم عبد علي جاسم الدليمي، بدن فاضل عريبي، اسماعيل محمود ابراهيم النجار، نافع حسين علي الكبيسي، حازم يونس عبد القادر وخليل ابراهيم القصاب.
وحوكم بالسجن بفترة تراوحت مابين سنة الى ١٥ سنة كل من : حسن محمود طه (قتل في السجن)، غسان مرهون محمود، كردي سعيد عبد الباقي الحديثي (قتل في السجن)، أحسان وفيق عبدالله السامرائي، علي فتحي علوش، بدر محمد عبدالله ظاهر، محمد مناف ياسين محمد أمين، محسن محمد رضا الذهب(قتل في السجن)، جعفر محمد رضا الذهب، أحمد ابراهيم صالح العبيدي (قتل في السجن (،العقيد فليح كاطع الساعدي(قتل في السجن)، العقيد الركن عبد المنعم هادي القيسي (قتل في السجن)، العقيد الركن عبد الواحد الحاج معيدي الباهلي (قتل في السجن)، العقيد الركن حامد جاسم ظاهر الدليمي (قتل في السجن)، العقيد الركن فارس حسين القره غولي، العقيد الركن سليم شاكر الأمامي، العقيد الركن محمد عبد اللطيف، مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي (قتل في السجن) ، شكري صبري الحديثي، طاهر حبيب الربيعي (قتل في السجن)، حميد عبد اللطيف وحيد السامرائي، العقيد الركن صالح عبد الكريم الحمداني، العميد الركن زهير قاسم شكري، عبد القادر عبد عثمان الكبيسي، حمد عايش حمد، معز كاظم الخطيب، العقيد الركن رياض عبد الرزاق القدو (قتل في السجن)، علي جعفر حسين (قتل في السجن)، عدنان يوسف كوشان، النقيب ابراهيم عبد، محمد صبري أحمد الحديثي (قتل في السجن). ووضع الأمين العام المساعد للحزب منيف الرزاز تحت الأقامة الجبرية في منزله حتى وفاته, قيل وقتها أنه سمم بالثاليوم.
ربما أهم نتيجة من نتائج الأجتماع الأستثنائي كانت تدمير حزب البعث القديم واستبداله بحزب جديد خاضع بصورة مطلقة للرئيس. حزب وظيفته الرئيسية وظيفة حراسة أمنية غير مهمة .بالاضافة الى وظيفة دعائية لفكر ومنجزات الرئيس الجديد.
التحول الايديولجي كان نتيجة أخرى من نتائج الأجتماع الأستثنائي ، تحول من دور الحزب القائد الى دورالفرد القائد…. فالحزب الذي كان قائدا للسلطة والدولة قبل عام ١٩٧٩ ,حسب قانون الحزب القائد رقم ٤٢ لسنة ١٩٧٤ والذي ينص على "تتخذ الوزارات وكافة دوائر الدولة وموسساتها وهيئاتها واجهزتها من التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الأشتراكي ، الذي يقود السلطة والدولة منهاجا ودليل عمل لها في ممارسة اختصاصاتها من ألان وحتى أشعار أخر" سلم السلطة التي كان يجب أن تكون جماعية الى القيادة الفردية.
وبعد أن كان التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن يتحدث عن الحزب الذي يقود السلطة " بقيادته وكوادره ومناضليه" وهو يعني بالقيادة العليا القيادة القطرية الجماعية ،تحدث التقرير السياسي للمؤتمر القطري التاسع عن " قائد من طراز خاص ظهر وتطور في ظروف فريدة".
كذلك نسب تقرير المؤتمر التاسع الى الرئيس صدام كل منجزات الحزب السابقة " فهو صاحب الدور القيادي في تحقيق الأنفجارات التاريخية ، خالق الجبهة الوطنية وقائدها، ومصمم بيان اذار التاريخي والقائد الفعلي لعملية تأميم النفط، والمخطط الأول لعملية التنمية الشاملة،وواضع أستراتيجية البحوث النووية، والقائد الموجه في حقل الفكر والثقافة والاعلام".
وهو"لأول مرة في تاريخ الحزب وضع بدقة وبأسلوب خلاق ومتجدد نظرية العمل البعثية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والتنظيم".
توقف الأنتاج الفكري لحزب البعث بعد ذلك فأكتفى المؤتمران العاشر والحادي عشر بتبني أحاديث الرئيس كتقرير مركزي ومنهاج عمل.
وفي بداية التسعينات حدث تحول فكري جذري أخر ,عندما أمر الرئيس ببدء الحملة الأيمانية الوطنية التي شملت أيضا الكادر المتقدم بالحزب وهو تحول جذري عن ماورد في التقرير المؤتمر التاسع من انتقاد لاذع للحزبين الذين يمارسون الطقوس الدينية فقد ورد فيه” أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية بصورة مظهرية مقلدين بذلك الحزبيين في المرتبة الأعلى، ولكن شيئاً فشيئاً صارت المفاهيم الدينية لديهم تغلب على المفاهيم الحزبية، وهذه الحالة مرفوضة وخطيرة على الحزب”…”إن هذا السلوك يؤدي شيئاً فشيئاً إلى التمايز بين الحزبيين على أساس طائفي، في الوقت الذي شكل الحزب وعاءً موحداً لكل المنتسبين إليه بصرف النظر عن مناشئهم الدينية والمذهبية، وهذه ظاهرة خطيرة جداً تمس جوهر العلاقة الحزبية وتؤدي إلى زرع الانقسامات اللاموضوعية في الحزب” “…قبل بروز الظاهرة الدينية السياسية كخط سياسي ذي شأن بعدة سنوات نبه الرفيق صدام حسين إلى الأخطاء التي يرتكبها الحزبيون إزاء المسألة الدينية والظاهرة الدينية السياسية والتي سبقت الإشارة إليها، كما حذر من أن استمرار ممارسة هذه الأخطاء سيغذي هذه الظاهرة ويشجع الانقسامات المذهبية في صفوف الشعب ويضعف الحزب.”

كان الدافع الرئيسي وراء تدمير الحزب القديم الريبة وعدم الثقة. فثقته أعلى برابطة الدم منها برابطة العقيدة مع رفاق حزبه. لذلك في نفس الوقت الذي كان فيه الحزب يتسع، كان نفوذ العائلة والعشيرة يزداد، حتى أتت اللحظة الملائمة لتدمير الحزب لكي يتصرف بصورة مطلقة بتعيين المزيد من أقاربه في مواقع السلطة المهمة.
ايمان الرئيس بعلو الولاء العشائري العائلي على العقيدة الحزبية بدا حتى قبل صعوده للسلطة. بدا ذلك ظاهرا في رواية الأيام الطويلة لعبد الأمير معله ,التي نشرت عام ١٩٧٧ , حيث ينتقد بطل الرواية ، محمد بن حسين الصكر، رفاقه المساهمين بمحاولة الأغتيال لاصرارهم على البقاء في الوكر بعد المحاولة في حين أصر هو على تركه ويرسم طوال الرواية صورة لحزب مفكك ضعيف فمثلا يقول" أما كان عليك إن تسأل؟...أتذكر...قلت لهم أن عليهم أن يتركوا ذلك البيت السري المهدد...ماذا ينفع أن تتذكر ذلك ألان؟..لكنهم لم يفعلوا بل ظلوا ينتظرون السيارة الخضراء المسلحة، بحجة أنهم ينتظرون الطبيب.. وظلوا ينتظرون الأصفاد تقفل فوق معاصمهم بحجة أنهم ينتظرون التعليمات. ممن التعليمات؟..لآحد يدري. حتى هم لايدرون!.فبعضهم هناك في الوكر نفسه..وبعضهم الأخر كان هو بحاجة الى من يعطيه توجيها ما... أي توجيه...اية كلمة..صار هذا واضحا تماما. ولعل الذين كان عليهم أن يعطوا توجيها ما للذين كانوا هناك في الوكر، مدوا هم أنفسهم أيديهم الى الشرطة ليضعوا فيها الأصفاد قبل أن يمدها سليم الناعم أو جميل أو سواهما"...
لم تذكر تلك الرواية أي دور للحزب في صراعه مع السلطة ولم يكن للحزب أي دور في تقديم الدعم لبطل الرواية، ومن قدم الدعم له, فاوائه وتحمل مضايقة السلطة ووفر له طريق الهروب كانت العشيرة.
تسارعت عملية تعيين الأقارب والاعتماد على العشائرية بعد تدمير الحزب، وتوجت بانشاء منظمة في عام١٩٨١,أقوى من كل الأجهزة الأمنية الأخرى وبالطبع أقوى من الحزب نفسه, منظمة رباط أعضائها العشائرية وصلة القرابة بالرئيس وهي جهاز الأمن الخاص.
في النتيجة النهائية من ملك السلطة الفعلية, في ذلك الوقت ,كانت عائلة الرئيس و شبكة ضيقة من العشائر من تكريت والدور وبيجي والشرقاط. رباطهم ليست مبادى حزب البعث واهدافه بل قيمهم وقرابتهم العشائرية.
فمثلا في عام ١٩٩٢ كان ولده قصي مديرا لجهاز الأمن الخاص، وولده عدي رئيسا للجنة الأولمبية ورئيسا لنقابة الصحفيين ورئيسا لتحرير جريدة بابل،وشقيقه سبعاوي كان مديرا للامن العام، وشقيقه وطبان وزيرا للداخلية ، وأبن عمه علي حسن المجيد كان وزيرا للدفاع وقريبه وزوج ابنته حسين كامل كان مسؤولا عن وزارة النفط ووزارة الصناعة، وشقيق حسين كامل صدام كامل كان مسؤولا أيضا عن الحرس الخاص وافواج الحماية الخاصة كانت من تلك الشبكة الضيقة من العشائر واغلبهم لهم صلة قرابة دم بالرئيس.
مرحلة التسعينات تميزت , كما قلنا سابقا, بتحول المجتمع باكمله الى مجتمع مفكك تربطه، كالسلطة التي كانت تحكمه ،العشائرية لا الوطنية العراقية. أما بالنسبة للحزب القديم الذي انضم اليه الرئيس في شبابه فلم يبق منه سوى خياله...

"تدمير حزب البعث"...الجزء الأولhttp://saddamscruelty.blogspot.com/2009/02/blog-post_7822.html

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    ارجو الاطلاع على هذا الفلم لكونه يؤيد الموضوع
    http://www.youtube.com/watch?v=qegeuf-uejM&feature=related

    ردحذف